إن الهم الأكبر للنفس البشرية هو ارتقاؤها وتطورها من حسن إلى أحسن ومحاولتها
الصعود ولو كان في ذلك فناؤها.
فالإنسان حيوان شريف بالطبع طموح إلى العلا دائب السعي في الرقي. وليس تطوره
في الماضي هو الدليل الوحيد على ذلك إذ هو في عقله وجنونه كما في أحلامه وفي
خواطره دائم الطموح إلى العلاء والرقي.
فنظرية التطور هي نظرية « النشوء والإرتقاء » وذلك لأن تاريخ الأحياء في الماضي
يدل على أن الأحياء كانت في تطورها ترتقي من حال إلى حال.وهذه النزعة التي تتغشى
تاريخه في الماضي لا يمكن إلا أن تكون مستسرة في نفسه نازعة به في المستقبل كما
نزعت بأسلافه في الماضي إلى الارتقاء.
وقديمًا بحث الناس عن السعادة ولكننا الآن نكاد نتفق على أنها هي الشعور بالرقي.
سواء أكان هذا الرقي بزيادة الصحة أو المال أو الجاه أو العلم.فما دمنا نزداد رقيًا فنحن
سعداء. وذلك لأن الرقي هو في صميم طبائعنا كما هو في صميم تاريخ الأنواع أي
تطورها.
وإذا بدأنا نشعر بأننا قد وقفنا عن الارتقاء فذلك هو الشعور بالشقاء.
ويمكننا أن نتحسس هذه النزعة حين نغفو غفوة قصيرة فنستسلم لخواطر لذيذة
كأن نعتقد أنناصرنا وزراء أو علماء أو ملوكًا.ونشعر بالسعادة تغمرنا لهذه الخواطر
لأن هذه الخواطر تشبع في أنفسنا شهوة الرقي كما نفهمه من الظروف التي تحوطنا.
فالمقامر يشعر أنه قد ربح مبلغًا جسيما يجعله في مركز من السيادة يطمح إليه. والنائب
في البرلمان تخطر له خواطر لذيذة عن الوزارة التي سيترشح لها. والشحاذ تملأ ذهنه
خواطر حلوة عن اللقطة التي سيلقاها فيغتني بها.
ففي هذه الخواطر نجد طموحًا وتوسعًا ورقيًا.
وهناك من يجن فيشعر أنه ملك وأن الملوكية من حقه فيأمر وينهي بلهجة الملوك.
فهو في جنونه يطمح إلى الإرتقاء من حاله الوضيعة إلى حال قد تخيلها حتىصارت
مرضًا في ذهنه.
مقتطف من كتاب "العقل الباطن" المؤلف سلامة موسى
0 التعليقات:
إرسال تعليق